نور حرستاني- تالة الشامي- ادوار حنا
التشاركية في اعادة الاعمار
في أعقاب عقود من القمع والاقصاء، لم تعد إعادة الإعمار في سوريا مجرد مسألة هندسية لإصلاح المباني، بل استحقاقًا سياسيًا واجتماعيًا يتطلب إعادة بناء العلاقة بين السكان والدولة، وبين الناس وفضاءاتهم المعاشة. تواجه سوريا تحدّيًا هائلًا في عملية إعادة الإعمار، وهو تحدٍ يتجاوز مجرد إعادة بناء البنية التحتية المدمّرة ليطال النسيج الاجتماعي والذاكرة الجمعية التي تعرضت لتفكك شديد. في مرحلة ما بعد الحرب لا يجب أن تقتصر على استعادة ما فُقد، بل ينبغي أن تُوظَّف كفرصة لإعادة تخيُّل العلاقة بين المواطنين، ومدنهم، والدولة. فكما طال الدمار المباني والمنشآت، طال أيضًا الثقة والعدالة والمشاركة المدنية
أن الإعمار الفعّال لا يمكن أن يتحقق دون تبنّي مقاربات حضرية تشاركية تضع العدالة الاجتماعية في صميمها. من خلال الاستناد إلى نظريات حضرية أساسية، مثل سلم المشاركة لشيري آرنستين، والحق في المدينة لهنري لوفيفر، ونقد ديفيد هارفي لـالحضرية النيوليبرالية، تستعرض الورقة كيف يمكن للممارسات التشاركية أن تكون بمثابة خطاب مضاد للتخطيط المركزي والإقصائي. كما يمكن الاستفادة من مفاهيم آصف بيات حول الاقتحامات الهادئة، وأنانيا روي في الحضرية غير الرسمية، لتسليط الضوء على استراتيجيات السكان المهمشين في تشكيل الفضاء الحضري، وخاصة في سياقات الجنوب العالمي. وفي هذا السياق، تركز الدراسة على سوريا كحالة تحليلية لرصد هذه التحوّلات، ولبحث إمكانية تطوير نماذج إعادة إعمار أكثر عدالة واستدامة على المدى الطويل
بالمقابل، تكشف أمثلة ومقاربات حدثت في العقد الأخير في سوريا ،كـ”ماروتا سيتي” وغيرها، كيف يمكن لسياسات الإعمار أن تعمّق التفاوت بدلًا من معالجته، حين تُدار بعقلية استثمارية غير تشاركية. الحاجة اليوم إلى أطر تخطيطية تعترف بالواقع، وتدمج السكان في كل مراحل الإعمار، من التخطيط إلى التنفيذ. يتطلب ذلك إصلاحًا قانونيًا، وتمكينًا محليًا، وتوسيعًا لتعريفات المواطنة والحق في السكن
إعادة الإعمار بهذا المعنى ليست تقنية، بل سياسية بامتياز، وهي فرصة لإعادة بناء عقد اجتماعي جديد تكون فيه المدينة للجميع، ويكون المجال العام فضاءً فعليًا للعدالة والظهور والتشاركية.
المحتويات
مقدمة: التشاركية كضرورة لإعادة بناء العلاقة بين السكان والدولة بعد دمار الحرب وتفكك العقد الاجتماعي
. مفاهيم نظرية: التشاركية، الحق في المدينة، الحوكمة التشاركية، الاستبعاد المكاني، التخطيط التشاركي
أطر نظرية تحليلية: سلم التشاركية (أرنستين)، الحق في المدينة (لوفيفر)، نقد التحضر النيوليبرالي (هارفي)، نظريات الجنوب العالمي (بيات، روي)
تشخيص الواقع السوري: تخطيط مركزي، تهميش الأحياء غير النظامية، مشاريع مثل “ماروتا سيتي” كمثال على الإقصاء المكاني
تحديات الإعمار: غياب الأطر القانونية، ضعف المشاركة المجتمعية، خطر إعادة إنتاج الإقصاء والتفاوتات
مقترحات للإصلاح: إصلاح القوانين، تمكين المجتمعات، إدماج العشوائيات، تعزيز ثقافة التخطيط التشاركي
خطوات عملية: مشاريع تجريبية، تدريب، تعاون بين المجالس والمنظمات، تطوير آليات رصد وتقييم، حوكمة تشاركية مستدامة
.
نور حرستاني
مؤسس مشارك ومديرة عامة في سيربانزم، وهي مهندسة معمارية وباحثة متخصصة في تطبيقات العدالة الاجتماعية، مفاهيم السكن العشوائي، والتغيرات المكانية أثناء النزاعات. تحمل شهادة دبلوم في الهندسة المعمارية من جامعة دمشق، وشهادة ماجستير في التصميم العمراني من جامعة برلين التقنية في ألمانيا حيث مارست المهنة لست سنوات
إدوار حنّا
مؤسس مشارك ومدير عام في سيربانزم، وهو مهندس معماري ومختص عمراني في سياسات العمارة، والتنمية الحضرية، وتمكين المجتمعات. يحمل شهادة دبلوم في الهندسة المعمارية من جامعة دمشق، وشهادة ماجستير في التصميم العمراني والتنمية من وحدة التخطيط والتنمية في كلية لندن. أدار لأكثر من ثماني سنوات مشاريع في التطوير الحضري في شمال إفريقيا والشرق الأوسط مع عدد من المنظمات الدولية
تالة الشامي
مهندسة معمارية وباحثة عمرانية في سيربانزم، تحمل إجازة في الهندسة المعمارية من جامعة دمشق وشهادة ماجستير في العمارة واللاندسكيب والآثار من جامعة سابينزا في إيطاليا ضمن برنامج إيراسموس. عملت في مجال العمارة والتصميم وساهمت بمشاريع بحثية حضرية وثقافية