سامر سعيد- عمار عزوز
بين الفاجعة و الذاكرة
في قلب النقاش حول العمران في سوريا والمنطقة، تبرز مسألة الذاكرة بوصفها مكونًا حاسمًا في العلاقة بين المدينة وسكانها، بين الفاجعة والإحياء، وبين الماضي والمستقبل. فالمدن لا تتشكل فقط بالمباني والبنية التحتية، بل بما تحتفظ به من قصص ومعانٍ وتجارب. في ظل الدمار، النزوح، وتحوّل الفضاءات، تصبح الذاكرة المعمارية والمكانية ساحةً للصراع بين التذكر والنسيان، بين الحفاظ والتجاوز، بين الأثر والطمس
تتقاطع الذاكرة مع العمارة كمجالين يتشاركان في تشكيل التجربة الإنسانية للمدينة، وخلق روابط مع المكان تتجاوز البعد الفيزيائي نحو المعنى والرمز والانتماء. تتجسد الذاكرة عبر المعالم والساحات والأبنية، وتتحول إلى حوامل للمشترك الجمعي، أو إلى جروح مفتوحة تروي فصول الفقد والصراع. في المدن التي شهدت العنف والاقتلاع، تُصبح البقايا العمرانية شواهد على ما حدث، وتكتسب طابعًا يتراوح بين الأثر والندبة، بين الوثيقة والجرح. عاشت المدن السورية، في العقد الأخير، تحولات عميقة في فضاءاتها، تبدّت في الهجران، والدمار، وفقدان الملامح. أماكن مثل ساحة الساعة الجديدة في حمص تحوّلت من رموز عمرانية إلى رموز نضال وقمع، حاملة في طياتها شحنات عاطفية وتاريخية يصعب محوها. وسط هذا المشهد، تتراكم الذاكرة، لا بوصفها سردية واحدة، بل كمجموعة من الأصوات والقصص والتجارب، بعضها مؤلم، وبعضها مقاوم للنسيان. تخبرنا تجارب عالمية من مدن ما بعد النزاع وتفككها، مثل بيروت وسراييفو وموستار، لتوضح كيف يمكن للمعمار أن يوثّق الألم أو يساهم في المصالحة
ليست الذاكرة هنا مسألة توثيق فقط، بل فعلٌ اجتماعيٌّ مستمر، يشتبك مع السياسات، والهوية، والتخطيط. يتطلب حضورها الحذر تفادي استخدامها كشكل من أشكال الاحتكار الرمزي أو محو الآخر، والاعتراف بتعدديتها وبتحوّلاتها الدائمة. من خلال المعمار، يمكن استعادة هذه الذاكرة، أو طمسها، ويمكن للمكان أن يُفعَّل كمساحة للصفح والمصالحة، أو يُفرغ من تاريخه لصالح الحاضر المتوتّر والمتحكم. التعامل مع الذاكرة لا يجب أن يكون فعلًا عاطفيًا أو إنشائيًا فقط، بل مقاربة نقدية تؤسس لمستقبل عمراني يحتضن التعدد، ويعترف بالمأساة، دون الوقوع في فخ الاستثمار الرمزي أو الإقصاء السياسي. العمارة هنا ليست فقط وسيلة بناء، بل أداة مقاومة للنسيان، ومجالًا للمصالحة مع الذات والمدينة.
ملخص محتويات “الذاكرة – بين الفاجعة والعمران”
مقدمة: الذاكرة كعملية فردية وجمعية تتقاطع مع الصدمة والنسيان
مفاهيم ومصطلحات: تعريفات الذاكرة الجمعية، أماكن الذاكرة، حوامل الذاكرة، الذاكرة المعمارية والمكانية
الأطر النظرية: أطروحات موريس هالبفاكس، بيير نورا، أندرياس هويسن، وبيرغسون حول الذاكرة والمكان
الذاكرة والعمارة: تأثير الذاكرة في التصميم والتخطيط العمراني، أمثلة معمارية
السياق السوري: الذاكرة الحضرية في ظل الحرب؛ رمزية الساحات مثل ساحة الساعة في حمص، وتحول المعالم إلى أرشيف للفقد
ثنائيات وتحديات: التوتر بين التذكر والنسيان، بين القيمة الاجتماعية والاستثمار، وبين الألم والعلاج
مبادرات محتملة: على المستوى الفردي (التوثيق، الجولات، الحوارات) والمؤسسي (المتاحف، التخطيط، دمج الذاكرة في السياسات)
نقاط ختامية: أهمية الاعتراف بتعدد الذاكرات وتمكين المجتمعات من التعبير عنها دون إقصاء
عمار عزوز
محاضر وباحث في جامعة أكسفورد، المملكة المتحدة. له كتاب إبادة البيوت: العمارة، الحرب وتدمير البيوت في سورية (بلومزبري، ٢-٢٣). كتب لصحف مختلفة كالغارديان، الفاينانشال تايمز، العربي الجديد، والنيو يورك تايمز.
سامر سعيد
معماري وباحث، مدرس أكاديمي في جامعة دمشق، سوريا. حاصل على عدة جوائز في مسابقات معمارية، وله مشاركات بحثية وفنية منشورة في سوريا وفي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية.